كيف تتغير النباتات
◂ تاريخ النشر : 2012/12/8
◂ مرات القراءة : 8605
◂ حجم المقالة : 14387 بايت
◂
صوت للمقالة
◂
أخبر صديقك
◂ التعليقات (0)
تصغير
تكبير
كيف تتغير النباتات
تتنافس النباتات، مثل الحيوانات، على ضوء الشمس، والماء، وضروريات الحياة الأخرى. وتستطيع بعض النباتات ـ مثل بعض الحيوانات ـ النمو، والتكاثر أفضل من بعضها الآخر. وبعد آلاف السنين تكون النباتات مختلفة جدًا عن أسلافها. تتأقلم النباتات التي تستطيع البقاء مع بيئاتها خلال عملية تسمى الانتخاب الطبيعي أو البقاء للأصلح.
يتتبع هذا الجزء من المقالة تاريخ النباتات المبكر، ويناقش الأشكال المهمة لتأقلم النبات لتخزين الماء، وانتشار البذور، كما يصف هذا الجزء مجموعة النباتات غير العادية، التي كيّفت نفسها بطريقة معينة تمكنها من افتراس الحشرات والتغذي بها، وينتهي بمناقشة بعض الطرق التي استطاع بها الإنسان تغيير النباتات.
النباتات البدائية. ظهر أول نبات على سطح الأرض منذ أكثر من 430 مليون سنة خلال حقب الحياة القديمة. وكانت هذه النباتات بسيطة للغاية، ولا تماثل أيًا من النباتات التي نشاهدها اليوم. ومن المحتمل أن أجسام هذه النباتات كانت تشبه العصي، وتفتقر إلى النسيج المتخصص لنقل الماء كما في النباتات الوعائية. ويعتقد كثير من علماء النبات أن هذه النباتات الأرضية البدائية كانت أسلافًا لنباتات وعائية بدائية. ولم يكن لأولى النباتات الوعائية ـ وهي النباتات الرينياوية ـ أوراق أو جذور. وكانت تتألف من سيقان تمتد على الأرض، وسيقان أخرى تنمو عموديًا ذات أفرع على شكل الحرف الإنجليزي Y. ومن المحتمل أن تكون هذه النباتات قد نمت إلى ارتفاع ما بين 60 و90 سم.
وربما تطورت نباتات أكبر، وهي تسمى التريمروفية عن النباتات الرينياوية. والنباتات التريمروفية ذات جسم نباتي أكثر تعقيدًا، ولها سيقان وفروع عديدة، ولكن لم يكن لها أوراق، أو جذور. كما ظهرت نباتات وعائية أخرى صغيرة، هي النباتات الزوستيروفيلية بعد فترة قصيرة من النباتات الرينياوية، وربما انحدرت منها. ويعتقد بعض علماء النبات أن النباتات التريمروفية، والنباتات الزوستيروفيلية أسلاف لجميع النباتات الوعائية الموجودة حاليًا. ويرون أن السراخس، وذيل الحصان، والنباتات البذرية قد انحدرت من النباتات التريمروفية خلال تغيرات متلاحقة منذ نحو 408 إلى 360 مليون سنة. كما يعتقد أن مجموعة رجل الذئب، والحزازيات الريشية، ونباتات الرصن قد تطورت عن النباتات الزوستيروفيلية في نفس الفترة تقريبًا.
وعند بداية انتشار النباتات الوعائية الأولى على الأرض كانت الحياة على الكرة الأرضية تختلف تمامًا عمّا هي عليه الآن. فلم تكن ثمة أوراق تحدث حفيفًا في نسمات الهواء، وكانت هناك بضع حشرات تدب هنا وهناك. ولم تعش فقاريات (حيوانات ذات عمود فقري) على الأرض. ولكن، ومع تغير الظروف على الأرض، ظهرت نباتات وحيوانات جديدة. وخلال العصر الكربوني منذ نحو 360 إلى 290 مليون سنة ظهرت نباتات وعائية أكبر، وكست الأرض غابات هائلة من الأشجار التابعة لمجموعة رجل الذئب (الليكوبودية)، والسراخس، وذيل الحصان، والنباتات البذرية البدائية. واندثرت النباتات الضخمة لهذه الفترة، وتجمعت في مستنقعات شاسعة كوّنت فيما بعد تراكمات هائلة من الفحم. ولقد كونت هذه النباتات معظم الفحم الموجود في أوروبا وفي شرقي الولايات المتحدة الأمريكية ووسطها وغربها.
صارت النباتات عارية البذور أكثر النباتات وفرة خلال حقب الحياة المتوسطة التي بدأت منذ نحو 240 مليون سنة. ومن أهم نباتاتها المخروطيات، السيكاسيات، والجنكات، وكانت تستخدم غذاء للديناصورات الضخمة التي كانت تتجول في الأرض خلال هذه الفترة. كما ازدهرت أنواع عديدة من عاريات البذور، لكنها اندثرت الآن. وظهرت أولى كاسيات البذور، أو النباتات الزهرية البدائية مع نهاية حقب الحياة المتوسطة، ومن أمثلتها المجنولية، والجميز، والصفصاف، وزنبق الماء، وعدد من النباتات الزهرية الأخرى الموجودة في الوقت الحاضر.
وخلال حقب الحياة الحديثة التي بدأت منذ نحو 63 مليون سنة، كست غابات كاسيات البذور معظم المناطق الاستوائية والمعتدلة في الأرض. وبدأ ظهور حيوانات أراضي الحشائش الطبيعية، وحيوانات الرعي الكبيرة في نهاية حقب الحياة الحديثة.
تخزين الماء. تكونت في العديد من الأنواع النباتية عبر السنين، أنظمة خاصة لامتصاص الماء وتخزينه مما هيأ لها البقاء في المناطق ذات الأمطار القليلة، فلبعض الصبارات على سبيل المثال جذور تنتشر لمساحات كبيرة أسفل سطح التربة مباشرة، وتمتص الماء سريعًا من الأمطار الخفيفة، أو الفيضانات الفجائية التي تحدث في الصحراء. وتختزن الصبارات الماء في سيقانها العصارية.
تحورت أوراق الصبّارات خلال الانتخاب الطبيعي إلى أشواك. ونتيجة لهذا التأقلم، تقلص سطحها الأخضر كثيرًا عن معظم النباتات التي في حجمها ـ وبالتالي قلَّ فقدها للماء عن طريق النتح. ولما كان لأوراقها هذا الشكل الخاص فإن التركيب الضوئي يحدث في سيقانها. وإذا لم يتيسّر للصبارات الماء من خلال جذورها، فإنها تستخدم المخزون بها من الماء خلال التركيب الضوئي.
ولقد تأقلمت كذلك نباتات التُّندرا مع ظروف الجفاف الناتجة عن الأراضي المتجمدة بحيث كانت سطوح أوراقها مقاومة بشكل خاص لفقد الماء، حيث تكون صلبة، ومصقولة، أو غزيرة الشعيرات. وإضافة إلى ذلك، فنباتات التندرا تنمو قريبًا من سطح الأرض، حيث تكون مغطاة بالجليد، وبالتالي تتجنب الرياح الشديدة في هذه المناطق.
انتشار البذور. تؤدي البذور دورًا رئيسيًا في انتشار النباتات إلى كل مكان في العالم تقريبًا؛ فإذا كانت البذور تسقط مباشرة على الأرض فإن جميع النباتات لكل نوع سوف توجد في نفس المنطقة. كذلك ساعد الإنسان على انتشار البذور بنقل المحاصيل الغذائية، وبعض نباتات معينة إلى المواقع التي يستقر فيها.
تتميز البذور بالعديد من الخصائص التي تساعدها على الانتشار عبر مناطق شاسعة. وتحمل الرياح بذورًا عديدة، مثل تلك الجناحيَّة لشجرة القَيْقب، والبذور ذات الزّغب في نبات الطرخشقون (الهندباء البري)، وشجرة الصفصاف. وقد تطفو بعض البذور على الماء كما في جوز الهند، من منطقة أرضية إلى أخرى.
وتساعد الحيوانات كذلك في انتشار البذور، حيث تكون بذور بعض النباتات ذات أشواك أو مواد لزجة تعلق بفراء أو ريش الحيوانات التي تهاجر من منطقة إلى أخرى. وتأكل أنواع عديدة من الحيوانات التوت والثمار لكنها لا تهضم البذور. وتنتشر البذور كجزء من مخلفات جسم هذه الحيوانات.
تعمل بضعة أنواع من النباتات على انتشار بذورها. فعلى سبيل المثال، تقذف ثمار نباتات البلسم والمِجْزَاعة بذورها لدى أدنى لمسة.
النباتات آكلة الحشرات (النباتات اللاحمة). تنمو أساسًا في المناطق التي تفتقر فيها التربة إلى قدر كاف من المعادن الرئيسية، خاصة النيتروجين. تأقلمت هذه النباتات على اقتناص وهضم الحشرات في أوراقها للحصول على ما يلزمها من المعادن. كذلك تصنع هذه النباتات آكلة الحشرات غذاءها بالتركيب الضوئي. وتضم النباتات آكلة الحشرات نباتات النابنط ، ونباتات الندية وشرك الذباب.
أما أوراق نبات النابنط فهي أنبوبيّة الشكل ويتجمع بداخلها ماء المطر. ويوجد حول حافة كل أنبوبة موادّ حلوة تجذب الحشرات إلى النبات. وتمنع الشعيرات الدقيقة بداخل الأنبوبة، والمتجهة إلى أسفل الحشرة الضحية من الهروب بعد دخولها إلى الأنبوبة. وتضعف قوى الحشرة أثناء صراعها للهرب، وتنزلق في الماء، وتغرق. ويهضم النبات الحشرة بوساطة سائل تفرزه غدد موجودة في الأوراق.
تنمو على أوراق نبات الندية شعيرات تفرز مواد لزجة تحتوي على عصائر هاضمة. فإذا ما التصقت حشرة على هذه المادة، تلتف الشعيرات حولها، ويغطي مزيد من السائل الحشرة، ويخنقها، ثم يقوم النبات بهضمها تدريجياً.
ولنبات شرك الذباب أوراق ذات مصاريع لاقتناص الحشرات. ويوجد على السطح الداخلي لكل ورقة شعيرات، ويحد حافتها أشواك حادة. وعند هبوط حشرة على الشعيرات ينغلق نصفا الورقة كالشراك، وتتشابك الأشواك. وبعد أن يهضم النبات الحشرة، تنفتح الأوراق من جديد.
------------------------------------------------------------------------------
النباتات آكلة الحشرات تنمو النباتات آكلة الحشرات في التربة المعدنية الرئيسية التي تفتقر إلى الأملاح، خاصة النيتروجين. تتمكن أعضاء خاصة في هذه النباتات من اقتناص وهضم الحشرات التي تحتوي أجسامها على الأملاح المعدنية.
دور الإنسان في تغير النباتات. أدى الإنسان دورًا رئيسيًا في تغير النباتات. فمنذ نحو 10,000 سنة مضت عندما تعلم كيف يزرع طعامه، لاحظ المزارعون الأوائل أن بعض النباتات تنمو أفضل من غيرها ، فادخروا بذور هذه النباتات لزراعتها من جديد، وبهذه الكيفية تطورت المحاصيل الغذائية الأساسية بالعالم. على سبيل المثال، طور الهنود الأمريكيون من كيزان الذرة الشامية الصغيرة الذرة الشامية ذات الكيزان الكبيرة الكثيرة الحبوب. وحينما وصل كريستوفر كولمبوس إلى العالم الجديد عام 1492م كانت الذرة الشامية المحسنة تزرع في مساحات شاسعة من أمريكا.
ساعدت الدراسة العلمية للنباتات محاولاتنا في الحصول على نباتات أكثر فائدة، ومرغوبة. فمثلا أجرى راهب نمساوي يُدعى جريجور مندل تجارب على البازلاء في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي والتي أرست القواعد الأساسية في مجال علم الوراثة. وباستخدام قوانين الوراثة، أمكن للعلماء تحقيق زيادة كبيرة في غلّة المحاصيل مثل الذرة، والأرز، والقمح. كما أمكنهم استنباط نباتات تقاوم الإصابة بالعديد من الأمراض، والحشرات. وقد حصل عالم الزراعة الأمريكي نورمان بورلوج عام 1970م على جائزة نوبل للسلام لاستنباط قمح عالي المحصول، ومقاوم للأمراض.
والله اعلم.
الكلمات المفتاحية :
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع